المعلم بين رد الاعتبار و "التسييس"
بقلم: الدكتور ثابت المومني
لا شك بان المعلم لا يحتاج لمن يعلّمه السياسة وفنون الأدب... فهو صانع كل سياسي وهو من تتلمذ على يديه كل أصحاب الفكر والإبداع، ولهذا فإنني وبكل جرأة وصدق انتماء وولاء، أدعو أولئك الذين يحاولون تشويه شرف المعلم بوقاره ومهنته الابتعاد عن اللعب بالنار، حيث انه لا يجوز تسييس قضية المعلمين بقدر ما هو المطلوب دعم المعلم ومؤازرته لتحسين واقع مهنته لما له من انعكاسات ايجابية على واقع عمليتنا التعليمية التعلّميّة بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله.
إن واقع حال قطاع التعليم ممثلا بشخص المعلم وشرف مهنته، أصبح شغلنا الشاغل هذه الأيام. لقد تم تجاهل المعلم بشخصيته وهيبته وواقعه المادي والاجتماعي خلال عقود خلت، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
لم أكن يوما اشك بأننا سنصل إلى هذه النهاية بالنسبة لوضع المعلم بشكل خاص ولقطاع التعليم بشكل عام ... فقد سبق وأن حذرت قبل أربع سنوات من أن الاستمرار بتجاهل المعلم بهذه الطريقة سيقودنا إلى مستقبل مظلم يمس عمليتنا التعليمية برمتها... لقد حذّرنا من أنه يجب على كل أولئك الذين أرتقوا على أكتاف المعلم، العمل على مناصرته لنيل حقوقه وتحسين وضعه المادي والاجتماعي والحياتي.
لقد صبر المعلم على واقعه المزري ووضعه المهين ... لقد صبر هذا المعلم صبر أيّوب، بينما يتنعّم كل منّا بموقعه ومركزه وحياته... لم يفكر احدا منّا بمناصرة المعلم في جلسة او ديوانية او محفل... لا بل، أصبح المعلم مكانا للسخرية والتندّر بين "بعض" أفراد المجتمع.
إن عتبي على دولة الرئيس...ومعالي الوزير....وسعادة القاضي والنائب والعين ... وعطوفة الأمين العام والمدير العام والمحافظ ومدير الشرطة وكل من تبوأ مركزا او سلطة ... إن عتبي على كل من تعلّم حرفا او نطق بكلمة!!! كيف سمحتم لهذا الوضع بأن يكون؟!!! كيف أصبح المعلم محل إهانة وتحقير من "بعض" أولياء الأمور وبعض الطلبة من أصحاب السلوكيات غير السويّة ... لقد تم " تبلّي المعلم في قضايا عدة من قبل الطالب او ولي أمره ليمثل أمام القاضي او المحافظ او الشرطي "صاغرا ذليلا مهانا" في غالب الأحيان دونما التنبّه إلى أن اهانة هذا المعلم - من قبل طالب او الكيد له لزجّه في السجن - سيقودنا إلى انهيار أخلاقي واجتماعي يصعب معالجته فيما بعد.
إن المتفحص لواقع حالنا يجد كم تغيّر المجتمع نحو الأسوأ... كم تراجعت القيم والمبادئ والأخلاق نتيجة لإهانة المعلم ومحاربته في شخصه وهيبته و كيانه ومهنته وقوت يومه... لقد وصل المعلم إلى مرحلة من السوء أدت إلى فقدانه توازنه، الأمر الذي أجبره على الهروب من واقع شرف مهنته ليعمل سمسارا في حسبة او سائق تكسي او محاسبا في دكان او محلا للحلويات ليسد رمق أسرته أمام تجاهل وضعه المادي والمعنوي.
لن أطيل أكثر...فهذا الموضوع لن يعالج بصفحة او كتاب او مجلد...إن واقع حال المعلم يحتاج إلى التعلّم من دروس الماضي والتحرّك سريعا للوقوف على لبّ المشكلة وجوهرها... على دولة الرئيس والوزراء وأصحاب السلطة و القرار وكل الخيّرين في هذا البلد، العمل على تحسين واقع المعلم فورا ووأد الفتنة، لأننا نعلم جميعا أن المعلم أصبح الحلقة الأضعف في المجتمع بعد أن كان له دور القيادة والريادة، الأمر الذي استغله بعض هوامير السياسة وأصبح همهم تنفيذ أجندة خاصة بهم على أكتاف هذا المعلم.
إنني ومن على هذا المنبر... أناشد كل المعلمين اليقظة والحذر وعدم الانجرار وراء "بعض" هوامير السياسة الذين يحاولون تجييش المعلم وتجيير قضيته خدمة لمصالحهم وتوجهاتهم... أناشد قطاع المعلمين الإصرار على المطالبة بتحسين أوضاعهم أسوة بالجيش والأطباء والمهندسين على أن تكون هذه المطالبة سقفها مصلحة وهيبة الوطن واستقراره، أن تكون هذه المطالبة بطريقة حضارية فيها من الإصرار ما يلبي مطالبهم وفيها من التنظيم ما يعبّر عن هوية وشخصية وقدسية هذا المعلم... أناشدهم بتحديد مطالبهم المتمثلة بتحسين الوضع المادي والاجتماعي، وتحسين ظروف المهنة بعيدا عن التسييس كالإصرار على نقابة أو رابطة أو غيرها.
إنني إذ اعتقد بأن وجود نقابة أو هيئة ممثلة للمعلم أمر ضروري لمصلحة المعلم والوطن ولكنني اعتقد في نفس الوقت بأن حقوق المعلم ليس بالضرورة أن تتأتى عبر نقابة او اتحاد او رابطة.. إن حقوق المعلم يجب أن تأتي عبر تسّخير وتجييش المجتمع بالضغط على أصحاب السلطة و القرار لتحسين واقع المعلم اليوم وغدا وفي المستقبل.
إنني إذا أناشد أصحاب الفكر والإبداع المتمثل بصانع رجالات هذا الفكر وهو المعلم... بأن يعي بأن حقوقه لن تتأتى بالاعتصام والإضرابات بقدر ما تتأتى بتجييش رأي عام يناصر مطالبهم.
إن ترك قضية المعلمين "مشرّعة" لهوامير السياسة الظلامية، ستكون له نتائج وخيمة على هذا البلد، وعليه فإنني أتمنى على دولة الرئيس العمل فورا على تحسين واقع حال المعلمين وقطع الطريق على هوامير الظلام لنجعل كيدهم في نحورهم، فداء وحبا ووفاء وانتماء للملك والوطن ودمتم.
thabetna2008@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق